فصل: وظيفة الأمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.وقت الدعوة إلى الله:

الإسلام دين كامل جاء بتنظيم الأفكار والأعمال والأوقات.
فكل عبادة لها وقت ومناسبة، ولها بداية ونهاية كالصلاة والصيام والحج ونحوها.
أما الدعوة إلى الله ففي كل وقت، وفي كل حال، وفي كل مكان.
فعلى المسلم أن يقضي وقته على الكيفية التي قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون من أتباعه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم.
فيؤدي فرائض الله، ويمتثل أمر ربه في كل حال، ويصرف جزءاً يسيراً من وقته في أمور الكسب والمعاش، ويصرف جلّ وقته في الدعوة على الله، كي يعبد الناس ربهم وحده لا شريك له.
فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يدعوه تزوَّد من العلم، أو علَّم غيره من المسلمين أحكام الدين، ليتعلم ويرفع الجهل عنه وعن غيره.
فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يعلِّمه أو يتعلم منه، اشتغل بخدمة إخوانه المسلمين، وقضاء حاجاتهم، والإحسان إلى الخلق، والتعاون على البر والتقوى.
فإذا فرغ أو لم يتيسر له أن يقوم بذلك اشتغل بنوافل العبادات كالسنن المطلقة والأذكار وتلاوة القرآن ونحوها من القُرَب والأعمال الصالحة.
ويُقدِّم في كل حال ما نفعه أعم للمسلمين وغيرهم في كل حال.
فالمسلم دائم العمل في إصلاح نفسه وإصلاح غيره.
1- قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [108]} [يوسف: 108].
2- وقال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [103]} [النساء: 103].
3- وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [79]} [آل عمران: 79].
4- وقال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [77]} [القصص: 77].
5- وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ [1] إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [2] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [3]} [العصر: 1- 3].

.عقوبة ترك الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله أعظم الوظائف، وفي تركها أعظم العقوبات.
1- عقوبات ترك الدعوة كثيرة، ومنها:
1- الاستبدال:
قال الله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [38]} [محمد: 38].
2- اللعن والحرمان من رحمة الله:
قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [78] كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [79]} [المائدة: 78- 79].
3- العداوة والبغضاء:
قال الله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [14]} [للمائدة: 14].
4- التدمير والهلاك:
قال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [44] فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [45]} [الأنعام: 44- 45].
5- الفرقة والخلاف والعذاب في الدنيا والآخرة:
قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [104] وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [105]} [آل عمران: 104- 105].
2- وإذا تركت الأمة الدعوة إلى الله أصابها ثلاث آفات:
الأولى: العناية بالدنيا، وإهمال الآخرة.
الثانية: صرف الأموال والأوقات والأفكار في غير مصلحة الدين.
الثالثة: الاقتداء بالكفار في طريقة الحياة، والتعلم لديهم، لنقل طريقة حياتهم إلى بلاد المسلمين.
3- إذا قامت الدعوة إلى الله فُتحت أبواب الخير كلها، فيدخل الإيمان والأعمال الصالحة في حياة الناس، وتدخل الأخلاق الحسنة من الصبر والعفو والإحسان والرحمة في حياتهم، ويدخل الكفار في الدين، ويدخل العصاة في الطاعات.
وإذا لم نقم بالدعوة إلى الله فُتحت أبواب الشر كلها، ودخل كل شر، وخرج كل خير.
وإذا خرج الإيمان والعمل الصالح والأخلاق الحسنة، دخل مكانها الكفر والعمل الفاسد، والأخلاق السيئة، ثم في النهاية يخرج الناس من دين الله أفواجاً، كما دخلوه أفواجاً، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
1- قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [96]} [الأعراف: 96].
2- وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [100] وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [101]} [آل عمران: 100- 101].
3- وقال الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [123]} [النساء: 123].

.نواقض الدعوة:

كما أن للإسلام نواقض، فكذلك للدعوة نواقض منها:
الرياء وعدم الإخلاص.. وأكل الدنيا بالدين.. وبيع كلام الله ورسوله بالأجرة.. والدعوة إلى النفس وحب الشهرة.. والدعوة إلى حمية الجاهلية والعصبية كمن يدعو إلى حزب أو طائفة أو جماعة ولا يقبل الدعوة من غيره، والله أمرنا أن ندعو إليه، ولا ندعو إلى غيره.
وكل من ترك أصول الدعوة، ودعا على هواه، ابتلي بآفات كثيرة منها:
تزكية النفس.. والعجب والكبر.. والحرص على الجاه والمنصب.. واحتقار الآخرين.. والنظر في عيوب الدعاة إلى الله.. والإنفاق على شهواته، وترك الإنفاق على الدين.. وثقلت عليه الفرائض والأعمال الصالحة.. وتوسع في المباحات.. وهانت عليه إضاعة الأوقات في الجدل والشهوات.
1- قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [33]} [فصلت: 33].
2- وقال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [44] فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [45]} [الأنعام: 44- 45].

.مراتب الدعوة إلى الله:

جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق.
والناس ثلاثة أقسام:
الأول: من إذا عُرض عليه الحق اعترف به واتبعه.
فهذا يدعى بالحكمة بحسن بيان الحق، ومقاصد الشرع، وسماحة الإسلام.
الثاني: من إذا سمع الحق اعترف به، لكنه لا يسرع لقبوله والعمل به.
فهذا يحتاج مع البيان إلى الموعظة الحسنة، بالتذكير بفضل الله على عباده، والترغيب في الجنة، والتحذير من النار، ليعلم ثواب الطاعات فيُقبل عليها، ويعلم عقوبة المعاصي فيحذر منها، وينشرح صدره للعمل الصالح.
الثالث: من إذا عُرض عليه الحق لا يعترف به، ولا يقبله، بل يرده بالشبهات.
فهذا يجادَل بالتي هي أحسن، وتُضرب له الأمثلة الحسية والعقلية حتى يقتنع، وتزول شبهته.
وقد بين الله ذلك كله بقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [125]} [النحل: 125].

.مراحل الدعوة إلى الله:

مرت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة النشر والبلاغ:
وفي هذه المرحلة دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد والإيمان، وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة الأوثان، وبيان قصص الأنبياء مع أممهم، وذكر أحوال اليوم الآخر، وصفة الجنة والنار، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال.
وقد بدأت هذه المرحلة في مكة، واستمرت إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، ثم سار عليها أصحابه رضي الله عنهم من بعده.
الثانية: مرحلة البناء والتكوين:
وفي هذه المرحلة اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من الصحابة، ورباهم في دار الأرقم بمكة، وزكاهم بالإيمان ومكارم الأخلاق، حتى جاء عندهم الاستعداد للعمل بالدين، والدعوة إليه، فلما كمل استعدادهم، أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة.
الثالثة: مرحلة الاستخلاف والتمكين:
وهذه كانت حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وفي المدينة نزلت الأحكام الشرعية كلها، حين كمل إيمان الصحابة، واستعدوا لامتثال جميع أوامر الله في جميع الأحوال.
فلما جاء فيهم الإيمان والتقوى والعمل الصالح مكَّن الله لهم في الأرض، وقامت الخلافة الإسلامية في المدينة، وانتشر الدين، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعوثه وأمراءه في أنحاء الأرض يدعون إلى الله، ويحكمون بالإسلام، ثم توفاه الله عز وجل.
1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [45] وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [46] وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [47] وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [48]} [الأحزاب: 45- 48].
2- وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [100]} [التوبة: 100].
3- وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [55]} [النور: 55].

.6- أحكام الدعاة إلى الله:

.أقسام الناس:

الناس في العمل قسمان:
فمنهم من اجتهد على الدنيا ثم راح وتركها وهم الكفار.
ومنهم من اجتهد على الآخرة ثم مات فوجدها وهم المؤمنون.
والمؤمنون الذين اجتهدوا على الآخرة قسمان:
الأول: من اشتغل بالعبادة فقط، فهذا ينقطع عمله بعد موته، وتغلق صحائف عمله.
الثاني: من اشتغل بالعبادة والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعلُّم وتعليم شرع الله، والإحسان إلى الخلق.
فهذا بأرفع المنازل وأعلاها، وعمله مستمر، وصحائفه مفتوحة تُملأ بالأجور والحسنات كل يوم.
1- قال الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [19] الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [20] يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ [21] خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [22]} [التوبة: 19- 22].
2- وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله أَنَا أَدُلّهُ عَلَىَ مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلّ علىَ خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». أخرجه مسلم.
3- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم.

.وظيفة الأمة:

الدعوة إلى الله وظيفة كل الأمة، فهي واجبة على جميع المسلمين، لدعوة غير المسلمين إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله هي التي تحل العقدة الكبرى، عقدة الكفر والشرك في البشرية، وإذا انحلت هذه العقدة انحلت العقد كلها.
أما الفتاوى في مسائل الأحكام، فهذا خاص بأهل العلم، فمن علم الحكم أفتى به، ومن جهله دل المستفتي على العلماء الذين اختصهم الله بمزيد من العلم والفقه، والفهم والحفظ، والدال على الخير كفاعله.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يتدافعون الفتوى فيما بينهم، والمفتون فيهم قلة كعلي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم.
فالفتوى ليست مباحة لكل أحد، لئلا يقول الناس على الله غيرالحق، فالعلماء والفقهاء هم أهل الفتوى كما قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [43]} [النحل: 43].
أما الدعوة فكلٌّ يدعو إلى الله بحسب ما عنده من العلم وما يعرفه من القرآن، وأقله آية.
فالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أعمال واجبة على الأمة كلها.
وقد قام بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أول يوم، قبل نزول أحكام الصلاة والزكاة وغيرها.
وقد اجتبى الله هذه الأمة كما اجتبى الأنبياء للدعوة إلى الله، وشرفها وكلفها بالدعوة إلى الله إلى يوم القيامة.
1- قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [104]} [آل عمران: 104].
2- وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [71]} [التوبة: 71].
3- وقال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [110]} [آل عمران: 110].

.واجب المسلم والمسلمة:

على كل مسلم ومسلمة واجبان:
الواجب الأول: العمل بالدين، بعبادة الله وحده لا شريك له، وطاعة الله ورسوله، وفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه.
1- قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].
2- وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [20]} [الأنفال: 20].
3- وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [7]} [الحشر: 7].
الواجب الثاني: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
1- قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [104]} [آل عمران: 104].
2- وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً». أخرجه البخاري.
3- وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم.

.أحوال الداعي إلى الله:

الداعي إذا قام بالدعوة إلى الله جاءت عليه حالتان:
الأولى: حالة إقبال الناس عليه، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم حين استقبله أهل المدينة، وفرحوا بقدومه.
الثانية: حالة إدبار الناس عنه، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم حين رده زعماء أهل الطائف، وأغْرَوا به السفهاء والصبيان حتى ضربوه بالحجارة.
فالله عز وجل لا يُسْلِم أولياءه لأعدائه، ولكنه حكيم عليم يربي الداعي أحياناً، ويربي به أحياناً.
وحالة الإقبال على الداعي أشد وأخطر، فقد يدخله الغرور، وتُعْرَض عليه المناصب، فيكون عرضة للفتنة بالدنيا.
وتلك محاولة الشيطان لسرقة الداعي من الدين، وشغله عن الدين بالدنيا والأموال والأشياء والمناصب.
أما حالة الإدبار والإعراض عنه فهي أحسن وأقوى تربية له.
إذ بها يزداد توجه الداعي إلى الله، والإقبال عليه، والقرب منه، فتأتي بسبب ذلك نصرة الله عز وجل، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم لما طرده أهل الطائف دعا الله فأيده بجبريل وملك الجبال، ثم يسر له دخول مكة عزيزاً، ثم أكرمه بالإسراء والمعراج، ثم يسر له الهجرة إلى المدينة، ثم ظهور الإسلام والتمكين في الأرض.
1- قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [2] وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [3]} [العنكبوت: 2- 3].
2- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ الله! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْن عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلاّ بِقَرْنِ الثّعَالِبِ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي. فَقَالَ: إنّ الله عَزّ وَجَلّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلّمَ عَلَيّ. ثُمّ قَالَ: يَا مُحَمّدُ! إنّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُد الله وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً». متفق عليه.